خطبة الجمعة الموافقة لعيد الأضحى
الخُطْبَةُ الأُوْلَى
الْحَمْدُ للهِ أَفَاضَ عَلَيْنَا مِنْ خَزَائِنِ جُودِهِ مَا لا يُحْصَر، وَاللهُ أَكْبَرُ شَرَعَ لَنَا شَرَائِعَ الأَحْكَامِ وَيَسَّر، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وهُوَ العَلِيُّ الأَكْبَرُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الطَّاهِرُ الـمُطَهَّرُ، صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ، وَعَلَى أَصْحَابِهِ الْغُرِّ الْمَيَامِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين. أَمَّا بَعْدُ عِبادَ الله:
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدٖۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ﴾[الحشر: 18]
فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيْعُوْهُ، وَامْتَثِلُوا أَمْرَهُ وَاجْتَنِبُوا نَهْيَهُ وَلَا تَعْصُوْهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الدُّنْيَا مَزْرَعَةٌ لِلآخِرَةِ وَمَحَطَّةٌ لِلتَّزَوُّدِ مِنْهَا بِصَالِحِ الأَعْمَالِ، فَتَزَوَّدُوا مِنْهَا بِخَيْرِ الزَّادِ لِيَوْمِ الـمَعَادِ، ﴿..وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ..﴾ [البقرة: 197]
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:
هَذَا اليَوْمُ الـمُبَارَكُ، يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللهِ العُظْمَى، فَهُوَ يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ، وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ، وَهُوَ يَوْمُ عِيْدِ الأضْحَى، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ : “إنَّ أعظمَ الأيَّامِ عندَ اللَّهِ تبارَكَ وتعالَى يومُ النَّحرِ ثمَّ يومُ القَرِّ“ رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.
وَبَعْدَهُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ: الحَادِيْ عَشَرَ وَالثَّانِي عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ صِيَامُهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ : “أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ عَزَّ وَجَلَّ” رواه مسلم.
وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡدُودَٰتٖۚ﴾ [البقرة: 203] فَكَبِّرُوا اللهَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ، تَكْبِيْراً مُقَيَّداً بَأَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ الـمَفْرُوْضَاتِ، وَمُطْلَقاً فِي كُلِّ الأَمَاكِنِ وَالأَوْقَاتِ، إلَى غُرُوْبِ شَمْسِ اليَومِ الثَّالِثَ عَشَرَ.
مَعَاشِرَ المؤْمِنينَ: يَنْبَغِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ، أَنْ يَعْرِفَ لِهَذِهِ الأَيَّـامِ فَضْلَهَــا، وَيَقْـــدِرَ لَهَا قَدْرَهَــــا، فَيَحْـــرِصَ عَلَـــى الاجْتِهَـــــادِ فِيْهَـــــا، وَالسَعِيْـدُ مَــنْ وُفِّـقَ فِيْهَـا لِصَالِحِ القَـوْلِ وَالعَمَـلِ، ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتي للهِ رَبِّ العَالمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المسلمينَ﴾ [الأنعام: 162].
بَارَكَ اللهُ لِيْ وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ والسُّنَّةِ، وَنَفَعَنِيْ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيْهِمَا مِنْ الآيَاتِ وَالِحكْمَةِ.
قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ.. وَأَسْتِغْفُرِ اللهَ العَلِيَّ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المسلمينَ، فَاستَغْفِرُوهُ وَتُوْبُوا إليهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيْمُ.
﴿ الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ ﴾
الحَمْدُ للهِ وَكَفَى، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى نَبِيِّهِ الـمُصْطَفَى. أَمَّا بَعدُ عِبادَ الله:
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ وَالسَّمْعِ والطَّاعَةِ، ﴿وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٨١]
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: اعْلَمُوا – رَحِمَكُمْ اللهُ – أَنَّ الوَقْتَ الـمَشْرُوعَ لِذَبْحِ الأَضَاحِي يَمْتَدُّ مِن بَعْدِ صَلَاةِ العِيْدِ إلى غُرُوبِ شَمْسِ اليَومِ الثَّالثَ عَشَرَ (رَابِعِ أَيَّامِ العِيْدِ)، فَاذْبَحُوا أُضْحِيَاتِكُمْ مِمَّا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ بَهِيْمَةِ الأَنعَامِ قُرْبَةً للهِ تَعَالَى، وَطَمَعاً فِي عَظِيمِ عَطَائِهِ وَجَزِيلِ ثَوَابِهِ.
أيُّهَا الـمُسْلِمُونَ:
صِلُوْا أَرْحَامَكُمْ، وَأَدْخِلُوا البَهْجَةَ وَالسُّرُورَ في بُيُوتِكُمْ، وَتَصَدَّقُوا عَلَى فُقَرَائِكُمْ، وَأَصْلِحُوا قُلُوْبَكُمْ قَبْلَ صُوَرِكُمْ وَأَجْسَادِكُمْ، وَعَظِّمُوا شَعَائِرَ اللهِ ، ﴿ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَليمُ، وَتُبْ عَلَينَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِلْحَجِيْجِ حَجَّهُمْ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجَّهُمْ مَبْرُوراً وَسَعْيَهُمْ مَشْكُوْراً وَذَنْبَهُمْ مَغْفُوْراً، وَاحْفَظْهُمْ مِنْ كُلِّ مَكْرُوْهٍ، يَاذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِصَالِحِ الأَقْوَالِ وَالأعْمَالِ، وَأَصْلِحْ لَنَا النِّيَّاتِ وَالذُّرِّيَّاتِ، وَارْزُقْنَا عَمَلاً صَالِحاً وَتَوْبَةً نَصُوْحاً قَبْلَ الـمَمَاتِ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ عَلَيْنَا أَمْنَنَا وَاسْتِقْرَارَنَا، وَأصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْهُمْ لِهُدَاكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمينَ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى عبدِكَ وَرَسولِكَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلهِ وصحبِهِ أَجْمَعينَ، والحمدُ للهِ رَبِّ العَالمينَ.